بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم وبارك علي اشرف الخلق اجمعين سيدنا محمد وال البيت والصحابة اجمعين
تتشرف ادارة المنتدي بدعوة حضراتكم الي التسجيل في المنتدي الخاص بالدين الاسلامي والتصوف
((((((واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين))))))
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم وبارك علي اشرف الخلق اجمعين سيدنا محمد وال البيت والصحابة اجمعين
تتشرف ادارة المنتدي بدعوة حضراتكم الي التسجيل في المنتدي الخاص بالدين الاسلامي والتصوف
((((((واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين))))))
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بسم الله الرحمن الرحيم منتدي التصوف كل ما هوا جديد وفريد من الصوتيات والمرئيات في الدين الاسلامي والتصوف الاسلامي الحق وحب رب العزه والنبي الخاتم وال البيت الكرام والصحابة والمؤمنين والمسلمين والناس اجمعين وصلي الله علي خير مخلوق واكرم موجود
احمد جمال المدير العام للمنتدي خادم الاعتاب المحمدية
احترام قوانين المنتدى : الابراج : عدد المساهمات : 220 نقاط : 448899 السٌّمعَة : 2 تاريخ الميلاد : 01/08/1981 تاريخ التسجيل : 10/04/2011 العمر : 43 العمل/الترفيه : النت
موضوع: سؤال وجواب عن التصوف السبت أغسطس 20, 2011 10:06 am
1. ما هو المقصود بالتصوف الإسلامي ؟ 2. وهل مورس هذا التصوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 3. ولماذا يختلفون في تعريف التصوف ؟ 4. ولماذا يختلفون في تحديد مصادره ؟ الجواب : 1- المقصود بالتصوف الإسلامي ، يعرف من تعريفاته كثيرة :
التي تتلخص كلها في أن :
" التصوف هو : التخلي عن كل دَنِى ، والتحلي بكلى سني "
سلوكاً إلى مراتب القرب والوصول ، فهو إعادة بناء الإنسان ، وربطه بمولاه في كل فكر ، وقول ، وعمل ، ونية ، وفي كل موقع من مواقع الإنسانية في الحياة العامة " . ويمكن تلخيص هذا التعريف في كلمة واحدة ، هي : ( التقوى ) في أرقى مستويات الحسية ،والمعنوية . فالتقوى عقيدة ، وخٌلق ، فهي معاملة الله بحسن العبادة ، ومعاملة العبادة بحسن الخلق ، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحي على كل نبي ، وعليه تدور حقوق الإنسانية الرفيعة في الإسلام . وروح التقوى هو ( التزكي ) و ] قد افلح من تزكى [ " سورة الأعلى ، الآية : 14 . و ] قد أفلح من زكاها [ " سورة الشمس ، الآية : 9 ". 2- وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورس فعلاً في العهد النبوي ، والصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم . وقد امتاز التصوف مثلاً بالدعوة ، والجهاد ، والخلق ، والذكر ،والفكر ، والزهد في الفضول ، وكلها من مكونات التقوى ( أو التزكي ) وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحي ، ومما نزل به القرآن ، ومما حثت عليه السنة ، فهو مقام ( الإحسان ) فيها ، كما أنه مقام التقوى في القرآن والإحسان في الحديث : مقامُ الربانية الإسلامية ، يقول تعالى : ] كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ " سورة آل عمران ، الآية : 79 . هذا هو التصوف الذي نعرفه ، فإذا كان هناك تصوف يخاف ذلك ، فلا شأن لنا به ، ووزره على أهله ، ونحن لا نُسأل عنهم فــ " كل امرئ بما كسب رهين " والمتصوف شيء ، والوفي شيء آخر . 3-أما الاختلاف في تعريف التصوف، فهو راجع إلى منازل الرجال في معارج السلوك ، فكل واحد منهم ترجم أساسه في مقامه ، وهو لا يتعارض أبداً مقام سواه ؛ فإن الحقيقة واحدة ، وهي كالبستان الجامع ، كلٌ سالك وقف تحت شجرة منها فوصفها ، ولم يقل إنه ليس بالبستان شجرٌ سواها ومهما اختلفت التعريفات ، فإنها تلتقي عند رتبة من التزكي والتقوى : أي الربانية الإسلامية ، أي ( التصوف ) على طريق الهجرة إلى الله ] ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين [ " سورة الذرايات ، الآية 50 – وقال : ] إني مهاجر إلى ربى [ " سورة العنكبوت ، الآية : 26 " . فالواقع أنها جميعاً تعريف واحد ، يُكمل بعضه بعضاً . 4-أما الاختلاف في تحديد مصادر التصوف ، فدسيسة من دسائس أعداء الله ؛ فالتصوف كما قدمنا " ربانية الإسلام " ، فهو عبادة ، وخلق ، ودعوة ، واحتياط ، وأخذ بالعزائم ، واعتصام بالقيم الرفيعة ، فمن ذا الذي يقول : إنه هذه المعاني ليست من صميم الإسلام ؟ إنها مغالطات ، أو أغالط نظروا فيها إلى هذا الركام للدخول على التصوف من المذاهب الشاذة ، أو الضالة ، ولم ينظروا إلى حقيقة التصوف . والحكم على الشيء بالدخول عليه / غلطٌ أو مغالطة . والحكم على المجموع بتصرف أفراد انتسبوا إليه صدقاً أو كذباً : ظلم مبين .. وهل من المعقول أن يترك المسلمون إسلامهم مثلاً لشذوذ طائفة منهم تشرب الخمر ، أو تمارس الزنا ، أو تحلل ما حرم الله ؟ وهل عملُ هؤلاء يكون دليلاً على أن الإسلام ليس من عند الله ؟! .... شيئاً من التدبر أيها الناس !!! .
2. وبماذا يمتاز عن عامة المسلمين ؟ 3. وهل هناك فرق بينه وبين التقي ، أو المؤمن ، أو المسلم ، أو الصديق ؟
4. وإذا لم يكن هناك فرق ، فلماذا الإصرار على استخدام الاصطلاح ؟
الجواب :
1-تستطيع أن تعرف الصوفي الحق ، بأنه المسلم النموذجي ، فقد اجمع كافة أئمة التصوف على أن التصوف هو الكتاب والسنة ، في نقاء وسماحة واحتياط ، وشرطه أئمة التصوف في مريديها أخذاً من قوله تعالى : ] ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ " سورة آل عمران ، الآية 79 "
والعلم هنا أولاً : علم الدين بدعامتيه " الكتاب والسنة " ، ثم هما بدورهما منبع كل علم إنساني نافع ، على مستوى كافة الحضارات ، وتقدم البشرية ، مقتضى تطور الحياة . فالتصوف إذن هو : ربانية الإسلام الجامعة للدين والدنيا ( قال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردي رحمه الله تعالى : " إن الصوفي من يضع الأشياء في مواضعها ويدبر الأوقات ، والأحوال كلها بالعلم ، يقيم الخلق مقامهم ، ويقيم أمر الخلق مقامه ، ويَستر ما ينبغي أن يُستر ، ويُظهر ما ينبغي أن يظهر ، ويأتي بالأمور من مواضعها بحضور عقل ، وصحة توحيد ، وكمال معرفة ، ورعاية صدق وإخلاص " { راجع الخطط التوفيقية لــ " علي باشا مبارك رحمه الله تعالى جـ1 ص90 طبع المطبعة الأميرية سنة 1305 هـ } . ومن هنا جاء قول أئمة التصوف ، وفي مقدمتهم ( الجنيد ) : " من لم يَحصل علوم القرآن والحديث ، فليس بصوفي " ،وأجمع على ذلك كل أئمة التصوف ، من قبل ومن بعد ، وتستطيع مراجعة نصوص أقوالهم عند القشري ، والشعراني ، ومن بينهما ، ومن بعدهما . 2-أما الامتياز عن عامة المسلمين ؛ فالقاعدة الإسلامية هنا هي المل ؛ فإذا عمل الصوفي بمقتضى ما تتمين عليه كقدوة وداعية ، امتاز بمقدار جهده ، شأن كل متخصص وإلا فهو دون كل الناس إذا انحرف أو شذ ، بل إن تجاوز . فالصوفية يجعلون خلاف الأولى في مرتبة الحرام اتقاءً للشبهات ، واستبراءٌ للعرض والدين "ومن نصوص الحديث – كما في الفتح الكبير قوله e : { الحلال بٍين والحرام بين ، وبينهما أمور متشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل مَلك حمى ، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ] . " رواه الأربعة ، والبخاري ومسلم " . وهم يعرفون كيف أن السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال : خوف الوقوع في الحرام ، فهم يؤمنون بهذا ، ويحاولون العمل به . والله تعالى يقول : ] ولكل درجات مما عملوا [ " هو من كلام سيدنا عمر " ، فهم يؤمنون بهذا ويحاولون العمل به . 3- أما مسألة الفرق بين الصوفي ، والمسلم ، والمؤمن ، والتقي : فإن الإسلام شرع لنا تعريف الناس بخصائصهم ، وذكرهم بما يميزهم عن غيرهم ، وقد ذكر الله المهاجرين والأنصار بخصيصتهم : تعريفاً ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء ، وذكر رسول الله e بلالاً الحبشي ، وصهيباً الرومي ، وسلمان الفارسي بما يميزهم من الألقاب ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء . وذكر القرآن من المسلمين أصنافاً : الخاشعين ، والقانتين ، والتائبين ، والمتصدقين ، والعادين ، والخامدين ، والسائحين وغيرهم ، وكلهم من أهل ] لا إله إلا الله [ . إذن ، فذكر إنسان بخصيصة عُرف بها عند الناس ، سنة قرآنية ونبوية ، وما دامت هذه الطائفة ، قد عرفت باسم الصوفية لسبب أو لآخر ، فليس بدعاً أن تُدعى بهذا الاسم . ثم لماذا كل هذه الزوبعة هنا ، ولا تكون هناك زوبعة حين يقال (سلفية) ؟! ـو (أزهرية) ، أو (وهابية) ، أو (شافعية) ، أو (مالكية) ، أو(حنبلية) ؟! وهل كان فيما مضى ( جمعية كذا – أو جماعة كذا ) ؟ أرأيت أن الأمر كان أهون من أن يكون سؤالاً ، لولا المذهبية المدمرة ، والتعصب الموبق 1؟
السؤال الثالث ما رأيكم فيما يوجه للتصوف من اتهام بأنه يعود في أصوله الأولى للبوذية ؟ والمجوسية ؟ والرهبانية ... إلخ ؟
الجواب :
قدمت أن التصوف الإسلامي ، هو الربانية ، فهو : إيمان وعمل ، وعبادة ، ودعوة ، وأخلاق ، وبر مطلق . وهو إرادة وجه الله في كل قول وعمل ، أو نية ، أو فكر ، دنيوي أو أخروي ، وهو التساوي بالبشرية إلى مستوى الإنسانية الرفيعة ، فهو وحى من الوحي ، وهو الدين كل الدين ؛ لأنه بهذا الوصف ( طلب الكمال ) ، وطلبُ الكمال فرض عين ، وهو علاج لأمراض النفوس ، وما من إنسان إلا وهو مبتلى بجانب – قل أو كثر – من النقص الذي نسميه : مرض النفس ، أو الخلقُ ، وإنما جاءت رسالات السماء كلها لعلاج هذه الأمراض النفسية والخلقية أول ما تعالج في بني أدم .
ولما كان التصوف قد تخصص في هذا الجانب ، كان طلبهُ فرضاً شرعياً ، وعقلياً ، وإنسانياً واجتماعياً – حتى يوجد الإنسان السوي الذي به تتسامى الحياة ، وتتحقق خلافة الله على أرضه ، وينتشر الحب والسماحة بين الناس ، وتأخذ الحضارة والتقدمية روحهما الإيماني المحقُق لمراد الله . وأدلة ذلك جميعاً مما لا يغيب عن صغار طلبة العلم ، ومما تزخر به علوم الكتاب والسنة . ولا أعرف أن الكتاب والسنة نقلاً عن المجوسية ، والبوذية والرهبانية شيئاً أبداً ، وإنما هو الغل المورث للتهم الكواذب ، وتضليل خلق الله . أما إذا كان المراد بالتصوف في السؤال ، هو هذه الفلسفات الأجنبية عن العقيدة والشريعة ، فهذا باب آخر ، لا علاقة له بتصوف أهل القبلة ، والاحتجاج بهؤلاء علينا فيه تلبيس الحق بالباطل ، ثم إن أخذ البريء بذنب المجرم : فعلة دنيئة .
على أن الذين اشتهروا بهذا الجانب الفلسفي ، ممن ينسبون إلى التصوف ، عدد محدود ، قد لا يجاوز العشرة ، وسواء قبلت فلسفتهم التأويل والتوجيه – ولو من وجه ضعيف – أو لم تقبل ، فهؤلاء ، وقد أصبحت كتبهم بما فيها من الأفكار أشبه بنواويس الموتى : تُعرض – إذا عُرضت – للزينة ، أو التاريخ والعبرة ، فليس بين صوفية عصرنا من يرى رأيهم ، أو يذهب مذهبهم ، سواء على ظاهره ، أو على تأويله .
وأين فكرٌ الجماهير من العمال والفلاحين ، وأنصاف المتعلمين ، أو حتى كبار المثقفين ، من كتب هؤلاء وألغازهم وأحاجيهم ؟! هذا وإذا أمكن الحصول على الكتب وعلى والوقت ، وليس المر كذلك ، ولا شك أن الوقوف عند هذا الجانب في هذا العصر : نوع من البحث الأثري ، عن الحفريات المجهولة ، في سراديب الرموس والأجداث : عصبية وحمية . والغاضبون على التصوف جميعاً يحتجون بهؤلاء ، وقد انتهي أمر هؤلاء ، فقد كانت مذاهبهم شخصية ، لا تجد طريقها إلى الجماهير ، لحاجتها إلى استعدادات وقابليات ومدارك ، ومنطق لا يوافق لدى الكافة ومؤاخذة الخلف بفعل السلف- لو سلمنا جدلاً بأنهم سلف – أمر بعيد عن العلم والعدل . والحكم على الكل بذنب البعض – لو سلمنا بهذه البعضية – أمر بعيد عن العلم والعدل . ولو أننا إخواننا ( خصوم التصوف ) . نظروا إلى الواقع الفعلي . فكافحوا معنا منكرات العصر ومبتدعاته ، من نحو : الطبل ، والزمر ، والرقص ، وتحريف أسماء الله ، وغير ذلك من مناكر المواد ، والتجمعات العامة ، وأخذوا طريق التعاون بالحسنى ، والدعوة بالحكمة ، لكان هذا أدنى إلى الصواب وأهدى سبيلاً ، عند الله والناس . أما حملتهم على هؤلاء الموتى ، ممن جنحوا إلى الفلسفة ، فاستئساد على الرمم ، وصيال في غير مجال ، ومبارزة مع الهواء الطلق ؛ فهؤلاء الموتى ، ما يملكون الدفع عن أنفسهم ، وليس من ورائهم وراث يدافع عنهم ، إلا – إذا وجد – لمجرد التصويب وإحسان الظن بأهل القبلة ، أو لمجرد الثقافة والتاريخ . وهنا أقر بملء الثقة واليقين ، أنًّ كل ما جاء منسوباً إلى التصوف مما يخالف الكتاب والسـنة ، مهما كان مصـدره ، فليس – فيما نرى – من ثمرة الإسـلام بوصـفه مقام ( الإحسان ) الذي سجله الحديث النبوي المشهور ، كما قدمنا ،وهو في تساميه أبعد من لهو الفلسفة وعبثها ، وإن تأولت .
السؤال الرابع ثابت أن المسلمين لم يعرفوا التصوف ، إلا بعد ثلاثة قرون من انتشار الإسلام . 1. فهل يحتاج الإسلام إلى التصوف ؟ 2. هل التصوف يضيف جديداً إلى الإسلام ؟ 3. وما هو الفرق بين الزهد الإسلامي والتصوف ؟
الجواب : من الذي قال بأن المسلمين لم يعرفوا التصوف إلا بعد القرون الثلاثة الأولى ؟ هذه مجازفة : ليست بعلمية ، ولا تاريخية ، وليس لها سند ، فإذا كان المراد بأنهم لم يعرفوا لفظ التصوف إلا بعد القرون الثلاثة، فليس هذا بصحيح أيضاً ( هذا الذي قالوه : إنما من كلام ابن تميمة رحمه الله تعالى ، قال في كتابه " الصوفية والفقراء " : " الحمد لله : أما لفظ الصوفية ، فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة الأولى وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك . وقد نقل التكلم به من غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل ، وأبى سليمان الداراني ، وغيرهما . وقد روي عن سيفان الثوري أنه تكلم به ، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري . وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي ؛ فإنه من أسماء النسب كالقراشي ، والمدني ، وأمثال ذلك ، فقيل : إنه نسبة إلى أهل الصفة ، وهو غلط ؛ لأنه لو كان كذلك لقيل : صُفي . وقيل : إنه نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله ، وهو أيضاً غلط ، فإنه لو كان كذلك لقيل : صَفي . وقيل : نسبة إلى صوفة بن أُد بن طابخة قبيلة من العرب كان يجاورون بمكة من الزمن القديم ، ينسب إليهم النساك " إلى آخر ما قال) . فقد اثبت مؤرخو اللغة وغيرهم أن هذا اللفظ كان عندما اشتهروا بالخشونة والرجولة ، ولبس الصوف ، والاستعداد للجهاد ، فإن تصوف المسلمين : دعوة إلى القوة ، والحرية ، والمساواة ، والتكافل ، والإخاء ، والتوحيد ، ومعالي الأمور ، لبناء شخصية المسلم المتكامل ، وكان عهد التدوين قد بدأ بمن كتب الحديث في عهد رسول صلى الله عليه وسلم، وظل ينمو حتى ازدهر في أواخر القرن الأول ، وأوائل الثاني ، بتحرير الحديث والفقه ، والتفسير ، واللغة ، وما إلى ذلك . ( وقال أيضا بعد كلام : " ... والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ؛ ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين ... " إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى ، فراجعه هناك ." ) أما إذا كان المراد بأن مادة التصوف وحقيقته وأصوله وموضوعه لم تُعرف إلا بعد هذه المدة ، فالخطأ هنا يستحيل إلى خطيئة ، فمادة التصوف من حيث العبادة ، والخلق – على أوسع معاني العبادة والخلق – موجود مشهودة في الكتاب والسنة ، شأن بقية مواد علوم الدين ، فإذا لم يكن لفظ ( التصوف ) موجوداً في هذا العقد ، فقد كانت العبادات والأخلاق ، وتربية النفس ، ووسائل العفة بالله ، والارتفاع بإنسانية الإنسان ، كل هذه مسجلة في دين الله ، وهي التصوف ( سماه الناس كذلك ) كل هذه مسجلة في دين الله ، وهي التصوف ( سماه الناس كذلك ) فالاسم حادث ، والمادة قديمة بقدم الكتاب والسنة ، شأن بقية علوم الدين سواء بسواء . ولم يكن هذا بدعاً، فلم يكن في هذا العهد علم باسـم ( الفقه ) ولا باسم ( الأصول ) ولا باسم ( مصطلح الحديث )، ولا غير ذلك من علوم الدين، ولكن المادة كانت موجودة بين دفتي الكتاب والسنة. فلا دٌونت العلوم ، ورٌسمت القواعد والمصطلحات ، أطلقت الأسماء حسبما رجحته الظروف الواقعية آنذاك . وإذن ، فلماذا ننكر تسمية التصوف ، ولا ننكر تسمية بقية علوم الدين ، والشأن واحد !؟ ثم لماذا ننكر تسمية (التصوف) ولا ننكر تسمية (التسلف) ؟! مزيد بيان التصوف : في " لسان العرب " لابن منظور يقول : " الصوف : للضأن ، والصوفة أخص ... ثم قال : والصوفة : كل من ولي شيئاً من عمل البيت الحرام وهو الصوفان .... وصوفة ... أبو حي من مضر ، كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ن وهي أعظم ما يولى يومئذ " ... ثم قال : " وصوفة حي من تميم كانوا يجيزون الحاج في الجاهلية من منى فيكونون أول من يدفع يقال في الحج : أجيزي صوفة ... " . وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي : أنبأنا محمد بن ناصر ، عن أبي اسحق إبراهيم بن سعد الحبال ، قال : قال أبو محمد بن سعيد الحافظ ، سألت وليد بن القاسم : إلى أي شيء ينسب الصوفي ؟ فقال : كان قوم على دين إبراهيم في الجاهلية يقال لهم : صوفة ، انقطعوا إلى الله عز وجل ، وقطنوا الكعبة ، فمن شبه بهم فهم الصوفية . ثم قال : فهؤلاء المعرفون بصوفة ، ولد الغورث بن مر ، بن أخي تميم . وفي المعجم الوسيط : " صَوف فلاناً : "جعله من الصوفية ، و"تصوف فلاناً " صار من لصوفية . " والتصوف " طريقة سلوكية قوامها التقشف والتحلي بالفضائل ،لتزكو النفس وتسمو الروح . " وعلم التصوف " مجموعة المبادئ إلى يعتقدها المتصوفة ، والآداب التي يتأدبون بها في مجتمعاتهم وخلواتهم . و " الصوفي " من يتبع طريقة التصوف " . وهكذا يتأكد : أن كلمة التصوف عربية قديمة ، في لغة العرب ، فمن أرجعها إلى (سوفيا) اليونانية ، فقد جهل وانحرف وقلد العميان ، ومن أدعى إنها بدعة محدثة ، كان أشد جهلاً وانحرافاً ؛ فالتصوف أخلاق ، وعبادة ، ودعوة ، وجهاد ن وسلوك ، فهو وحي من الوحي ودين من الدين . إن كلمة صوفي بعيدة كل البعد – من حيث المعنى – عن التأثر باليونان ، فقد عرفت واستعملت قبل نهاية القرن الثاني الهجري ، حيث أطلقت على أبو هاشم الكوفي ( المتوفي سنة 150هـ ) ، وإن هذا النوع من التصوف وليد لحركة الإسلام ذاته ، وإن العرب استمدوا أول علمهم بفلسفة أرسطوطاليس " الذي نقل إلى العربية ، من شرح الأفلاطونية الحديثة ، وليس كتاب " أثولوجيا أرسطوطاليس " الذي نقل إلى العربية حوالي 840 م إلا ملخصاً لمذهب الأفلاطونية الحديثة . ويؤيد هذا الاتجاه المحقق من واقع التاريخ " عباس محمود العقاد " في كتابة " الفلسفة القرآنية " حيث يقول : " لكن التصوف في الحقيقية غير دخيل في العقيدة الإسلامية ؛ لأنه – كافلنا في كتابنا – " أثر العرب في الحضارة الأوربية " : مبثوث في آيات القرآن الكريم ، مستكن بأصوله في عقائده الصريحة . فالمسلم يقراً في كتابه أن ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))" سورة الشورى ، الآية : 11 " فيقراً خلاصـة العلم الذي يعلمه دارس الحكمة الإلهية ، ويقر في كــتابه ((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ))" سورة الذاريات : الآية 50 " فيعلم ما يعلمه تلاميذ المتصوفة البوذيين حين يؤمنون بأن ملابسة العالم تكاد تكون سعادة الروح ، وأن الفرار منه ، أو الفرار إلى الله : هو باب الجنة ... فالمسلم : الذي يقرأ الآيات – هو مطبوع على التصوف والبحث عن خفايا الآثار ودقائق الحكمة .
2. أما : هل الإسلام يحتاج إلى التصوف ؟ فإذا كان الشيء يحتاج إلى نفسه ، جاز أن يقال : إن الإسلام يحتاج إلى التصوف . الإسلام انقياد ظاهري، لا يتم إلا بالانقياد الباطني، وإلا كان نفاقاً. والانقياد الباطني هو: الإيمان بوصفه عملاً من أعمال القلب، التي نسميها " التصوف "، فليس التصوف شيئاً غير الإسلام، حتى يقال: إنه يحتاج إليه ، أو يستغنى عنه ، إنما التصوف هو ذروة الدين كله ، مقام " الإحسان " : التقوى ، والتزكية ، والربانية ، كما قدمنا ، فهو الغاية والثمرة التي لا تتاح إلا لسالك مريد موفقًّ ذَواق . وهكذا نجد: أن السؤال الذي يقول: هل التصوف يضيف جديداً إلى الإسلام سؤال غير وارد، والإجابة عليه واضحة في الرد على الشطر السابق. أين هذا السؤال من قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً " " سورة المائدة ، الآية : 2 "
إن التصوف الحق هو : الإسلام في أعلى مستوياته . ومن أعجب العجب من بعضهم أن يكتب أنه يقبل أوصاف الشكر والصب والورع والزهد والذكر والفكر ، من كتب المتمسلفة ، ولا يقبلها من كتب المتصوفة ، تعصباً وغلاً للذين آمنوا أما الفرق بينه وبين الزهد الإسلامي : فإن الصوفي أكبر من زاهد في الدنيا ؛ لأن الزاهد إنما يزهد في الدنيا ، وهي لا شيء ، فالزهد في الدنيا زهد في لا شيء ، والزاهد في ( لا شيء ) غافل أو جاهل ، لكن زهد الصوفي منصب على كل ما يبعده عن الله ، على أي وضع يكون ، أما كل ما يكره بالله ( ولو على المال ) فليس هو بزاهد فيه . دخل صوفي على أحد الخلفاء ، فحدثه ، فأجازه الخليفة بما لم يكافئ بمثله أحداً قبله : فاعتذر الصوفي عن قبول عطية الخليفة ، فاندهش الخليفة قائلاً له : ما أزهدك !! قال الصوفي : بل أنت أزهد منى يا أمير المؤمنين . قال : كيف ؟ قال : لأنني أزهد في الدنيا ، وهي لا شيء ، وأنت تزهد في الآخرة ، وهي كل شيء . "وهو نوع من التبكيت الواضح "
الزهد عند الصوفية : أن تكون الدنيا في يده ، لا في قلبه ، لأن الزاهد ( غير الصوفي ) تاجر ، يحرم نفسه من متع الدنيا ، ليعوضها أضعافاً في الآخرة ، ولا كذلك الصوفي الذي لا يحرم نفسه متعة أحلها الله ، إلا إذا حجبته عن الله . وهذا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه، كان صاحب تجارات ومزارع ، وهذا شمس الدين الدمياطي ، كان تاجراً من أثرى علماء الصوفية ، وهو الذي بنى برج دمياط من ماله الخاص في عهد السلطان الغوري ، وهذا الليث بن سعد ، فقيه مصر ، وأمام زهادها ، كان أثرى أهل عصره . ولم تمنع هؤلاء أموالهم أن يكونوا أزهد الناس في الدنيا إذا شغلتهم عن الله عز وجل . ولكنهم لم تشغلهم بعد ، بل كانت طريقهم إليه عز وجل !! وهكذا يتضح أن سحق الشخصية بالزهد المادي، والتبتل البشري مما لا تعرفه قوانين التصوف الإسلامي. وقد كان من أعيان الزاهدين من الصحابة : بلال ، وسلمان ، وأبو ذر ن وتميم الداري ، أول من جلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام عمر يذكر الناس بالله في يوم الجمعة . فإنما الزهد في حده المحدود ، مما جاء عن كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم كما أسلفنا . وفي صدر هؤلاء جميعاً زهد ( العمرين ) ابن الخطاب ، وابن عبد العزيز بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كانت الدنيا في أيديهم ، ولم تكن في قلوبهم ، فاستغنوا برب الدنيا عن الدنيا وما فيها ومن فيها . إن الذي يملك هو الذي يملك ، وهو الذي يزهد ، أما الذي لا يملك ، ففي أي شيء يزه
بم تعلل فضيلتكم كون شيوخ التصوف من الفرس ، وأحفاد المجوس ، في العصر الإسلامي ؟ وكيف تعلل ازدهار التصوف في القرن السابع ، وما بعده بين العرب والمنتسبين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب : ليتك يا ولدي لم توجه إلى هذا السؤال العنصري الذي لا يرضاه الله ولا رسوله ، أو لم تقرأ قوله تعالى : ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) " سورة الحجرات ، الآية : 13 . وقوله تعالى : ((إنما المؤمنون إخوة )) وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا فضل لأبيض على احمر ، ولعربي على عجمي إلا بالتقوى " " وفي رواية ذكرها ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم )),[يا أيها الناس ، وأن الله تعالى قد أذهب عنكم غبية بالجاهلية وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل يرتقي كريم على الله ، ورجل فاجر شقي هين على الله [ إلى آخر الحديث الذي رواه أبن أبي حاتم ]" . وقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ؛ مؤمن تقي ، وفاجر شقي ،أنتم لآدم وآدم من تراب . وقوله صلى الله عليه وسلم ، وقد تمعر وجهه غضباً : " ليدعن أقوام بأقوام إنما هم حطب من حطب جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن " ومن نصوصه : ( لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه . إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية فخرها بالآباء ؛ إنما هو مؤمن تقي ، وفاجر شقي ، الناس كلهم نو آدم ، وآدم من تراب " رواه الترمذي . ألم يأتك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق به سيدنا سلمان الفارسي ، فقال : " سلمان منا أهل البيت " – ألم يرسل الله رسوله للناس كافة بشيراً ونذيراً ؟! إنها حمية الجاهلية ، يرددها ببغاوات البشر ، بلا تدبر ، ولا بينة ، وهل جاء الإسلام للعرب وحدهم ، فاغتصبه منهم غيرهم ، فأصبحوا منبوذين ؟! لم هذه الشعوبية ، والعنصرية الكريهة ، التي ينكرها الإسلام ، وتنكرها الإنسانية الشريفة ؟! أليس الإمام البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والطبراني ، والبيقهي ، والأكثرية الغالبة من رجال الحديث ، كلهم من غير العرب ، وكذلك طائفة من أكبر المفسرين ، كالزمخشري ، والنيسابوري ، ، وطائفة من أكبر علماء البلاغة ، كالجرجاني ، والتفتازاني !؟ من هو طارق بن زياد ، وموسى بن نصير ، هذان الموليان القائدان الفاتحان ، اللذان أسسا للإسلام مجداً تاريخياً ، لا يمحوه الزمان ؟ من هو أبو حنيفة النعمان ؟ أليس كان من الموالي ، ولولاه ما كان لبني تيم الله ذكر ولا فخر " أبو حنيفة من الأفغان ، قالوا من كابل " يا ولدي : إمام مصر الليث بن سعد ، أصله من ( أصبهان ) ، أمام أهل السنة ، احمد بن حنبل ، أصله من ( مرو ) والإمام المفسر الطبري ، أصله من ( طبرستان ) ، والشعبي علامة التابعين وغمامهم ، كانت أمه من ( جلولاء ) ، والحسن البصري ، الكوكب الفرد ، كان أبوه من ( ميسان ) . وهذه علاّمة اللغة سيبويه ، فارسي الأصل ، والأمام الكسائي ، فخر اللغة العربية ، أصله من فارس ، وتلميذه الإمام الفراء من الديلم ، ثم أن ابن مسكويه وابن سينا ، والفارابي ، كانوا فرساً أعجمين . اسمع يا ولدي : فقيه مكة ، عطاء بن رباح ، وفقيه الشام : مكحول ، وفقيه الجزيرة : ميمون بن مهران ، وفقيه خراسان : الضحاك بن مزاحم ، وفقيها البصرة والكوفة : إبراهيم النخعي وابن سيرين ، كل أولئك ليسوا من العرب أصلاً ، ولكنهم برزوا في جوانب العلم والفكر والمعرفة والدين ؛ كانوا الأئمة بكل ما في اللفظ من معنى يتجدد ولا يفنى . إنما يتفاضل الناس بالأحلام " العقول " ، لا بالأرحام ، والناس عند الله سواسية كأسنان المشط ، والله يقول : (( و لا تنسوا الفضل بينكم ))" سورة البقرة : الآية : 237 " ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ( مولاه ) على جيش كان فيه أبو بكر وعمر . وعندما أراد عمر أن يستخلف قال : " لو كان سالمُ مولى حذيفة حياً لوليته !! " . تأمل هذا الموقف الخطير . يا ولدي ها هم أهل العلم : لا يكادون يذكرون ابن عمر ذكروا معه مولاه نافعاً ، ولا يكاد يذكر أنس بن مالك ، إلا ومعه مولاه ابن سيرين . ولا يكاد يذكر ابن عباس ، إلا ومعه مولاه عكرمة . ولا يكاد يذكر أبو هريرة إلا ومعه مولاه ابن هرمز .... وما أكثر هذه الأمثلة في الإسلام . لقد أطلت عليك – عامدا في هذا المجال – يا ولدي ؛ فإن هذه الشعوبية هي التي كانت مسمار النعش في وحدة الإسلام ، والتي انتهت بما يسمى زوراً " النهضة العربية " وهي التي قصمت ظهر الخلافة ، وشتت العرب أوزاعاً وشيعاً ودويلات هزيلة متناحرة باسم العروبة ، والقومية ، التي تٌستخدم الآن بلا وعي ولا تدبر . ولنرجع إلى سؤالك في تعليل كون بعض الشيوخ الصوفية أوائل من الفرس ؛ فهؤلاء الناس اجتهدوا في هذا الجانب ، كما اجتهد غيرهم ممن ذكرنا أسماءهم ، فاستحقوا التقديم والإمامة كمسلمين ، فإذا قيل : إنهم فعلوا ذلك ليحطموا الإسلام من الداخل ، فهذه قضية ، إذا فرضنا نهوض دليلها في واحد ، فلن ينهض هذا الدليل في كل واحد . وفي كل طائفة طيب وخبيث ، والحلال بين والحرام بين ، ولو طبقنا قاعدة سوء الظن بالفرس ، أو بغير العرب عموماً ، لأذهبنا ثلثي علوم الإسلام ، ولكان أول ما ننبذه كتاب البخاري ، ومن والاه ، فهل هذا منطق يقول به إنسان سوي أو قاض منصف ؟ ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم ) " سورة المطففين : الآية 4 ، 5 " أولا يذكرون قول الله تعالى : ((وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار ))" سورة : ص : الآية 62 ." إن من أحفاد المجوس : من خدم الإسلام أصدق الخدمات في الثقافات والعلوم ، والفتوحات والفنون ... وراجع إن شئت من حضرنا ذكرهم وأسلفناه، ومن ورائهم صف شريف طويل معروف ، لم نشر إليه ، وهؤلاء شــأنهم – بالضبط شـأن كبار الصحابة ( وقد كانوا – أي الصحابة – من المشركين ) .
أما تعليل ازدهار التصوف في القرن السابع ، وما بعده بين العرب ، والمنسوبين بحق أو بباطل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا السؤال يحتاج إلى تكملة : هي أن هذا الازدهار في هذا القرن وما قبله ، كان بين العرب وغيرهم ، وكان هذا نتيجة لطبيعة الأشياء ؛ فإن تطور الدعوة الصوفية وامتدادها ، كان قد أهل الكثيرين للزعامة والاجتهاد في هذا الوقت ، كثمرة للتفاعل ، والتطور فيما سبق هذا الزمان . فمثلاً : نجد من صوفية القرن السابع أمثال أبي الحسن الشاذلي ، وأحمد البدوي . وابن دقيق العيد ، ومجد الدين القشيري ، وزكي الدين المنذري – ونجد من قبلهم في القرن السادس أمثال أحمد الرفاعي ، وأبي مدين . ونجد في القرن الخامس ، أمثال الغزالي ، وعبد القادر الجيلاني . وفي الثالث والرابع أمثال : الجنيد ، والشبلي ، ومن قبلهم ذو النون المصري ، وأبو يزيد . ومن قبلهم الحسن المصري ، وسفيان الثوري ، ومالك بن دينار ، وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض ، وشقيق البلخي ، وحاتم الأصم – بكل ما في تواريخهم من صدق وكذب ، وأصيل ودخيل . أضف إلى ذلك موضوع التطور والامتداد ، وقابلية البيئة ، بما كان من الحروب الصيلبيية والتترية والمغولية ، واضطراب عاصمة الخلافة ببغداد ، ومثل هذه الظروف بطبعها تدفع الناس إلى الله تلقائياً ، وقد جربنا نحن أخيراً في العاشر من رمضان ، فمن أجل هذا وما هو منه ، أو يتعلق به ، كان هذا الازدهار الذي تشير إليه .
السؤال السادس من الاتهامات الموجهة إلى التصوف : • أنه لا سند له من الكتاب والسنة . • أنه دخيل على الإسلام . • أنه يدعو إلى عقائد تتعارض مع عقيدة التوحيد ، كالحلول ، والاتحاد والوحدة . • أنه يدعو إلى تقديس المشايخ ، والاستعانة بهم في الشدائد ، واعتقاد أنهم يملكون النفع والضر . • أنه يدعو إلى التواكل والسلبية .
الجواب : أما أن التصوف لا سند له من الكتاب والسنة . فقول ساقط بعد كل ما قدمنا ، فإذا لم يكن التعبد ومكارم الأخلاق ومحاسبة النفس ، والأخذ بالأحوط ، ومجاهدة الهوى والشيطان ، إذا لم يكن كل ذلك له سند من الكتاب والسنة ، فقد جهل الناس الكتاب والسنة ، وفيما ذد من أدلة مكررة على أن تصوف المسلمين هو عصارة الإسلام وإكسيره ، لا يمتري في ذلك إلا ذو هوى ، أو من هوى !؟ . وبهذا ، وبالذي قدمنا ، يتأكد أن التصوف نابع من العقيدة ، والبيئة الإسلامية جملة وتفصيلاً ، وليس هو بدخيل على دين الله ، إنما الدخيل ، هو هذه الدعوى العصبية المتشنجة ، التي تفوح بالغرض ، والمرض ، وحسبك أنها بضاعة استشراقية ، استعمارية صهيونية ، لا هم لها إلا انتقاض الإسلام . أما أن التصوف يدعو إلى عقائد الحلول والاتحاد والوحدة ، فليس هذا هو تصوف المسلمين ، وإنما هو تصوف أجنبي ، أعجمي ، مدسوس والمتهمون به نفر معدود محدود ، انتهي أمرهم ، وليس لهم اليوم تابع ولا وارث ، كما قدمنا ، وأصبح ما نسب إليهم بحق أو بباطل ، سواء قبل التأويل ، أو لم يقبله ، نوعاً من الحفريات التاريخية ، التي لا يتابعها إلا الهواة والمتخصصون ، إن وجد اليوم هواة أو متخصصون في البحث عن مقابر الأفكار المهملة ، وإلا أصحاب الهوى الذي يعمى ويصم ، ولا اعتبار لأولئك و هؤلاء . وقد أصبح الكلام اليوم في هذا الجانب نوعاً من مجرد الإثارة والتشويه ، والعبث وإضاعة الأوقات ، والتشويش على أفاضل الناس وشراء العاجلة بالآجلة . وإنما يقول الصوفية بنوع معين من الفناء ، فصله الشيخ ابن تيميه في ( رسائله ) بشيء من الإنصاف ، وأشار إليه الشيخ ابن القيم في شرحه على كتاب الهروي " كتاب منازل السائرين لشيخ الإسلام : عبد الله بن محمد بن إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي الصوفي المتوفي سنة 481 هـ ، شرحه أبو بكر بين قيم الجوزية الدمشقي الحنبلي المتوفي سنة 481 هـ ، شرحه أبو بكر بن قيم الجوزية الدمشقي الحنبلي المتوفي سنة 751 هـ ، وسماه " مدراج السالكين " وشتان ما بين هذا والقول الفاجر بالحلول ، والاتحاد ، والوحدة المنكرة . أما أن التصوف يدعو إلى تقديس المشايخ ، والاستعانة بهم في الشدائد ، واعتقاد أنهم يملكون النفع والضرر : فهذا كلام فه تجاوز ومغالطة ؛ فإن التصوف يدعو إلى احترام الشيخ كوالد روحي ، وهو أدب إسلامي مقرر ، لا خلاف عليه . وفي الحديث الصحيح " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ولم يعرف لعالمنا حقه " رواه الترمذي عن ابن عمر ، وأبو يعلى عن أنس ، والعسكري عن عبادة ابن الصامت ، والقضاعى عن ابن عباس " ، و لا تنس تأديب الله للصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أصل أدب التابع مع المتبوع " راجع سورة الحجرات " . أما الاستعانة بدعاء الشيخ ، وابتهاله إلى الله في شدائد أبنائه ، فهو أدب إسلامي ثابت ، يعرفه كل من قرأ ( باب الدعاء ) في كتب المسلمين . أما أنهم يزعمون أنهم يملكون النفع والضرر ، فالذي يملك هو الله وحده ، وعندما يغضب الشيخ لربه من مخالف لله فيدعو ، فيغضب الله لغضب وليه ، ويستجيب له ، فلا يقال عندئذ إن الشيخ يملك نفعاً ولا ضراً ، إنما هو من باب : "" لئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " ومن نصوصه ، ما رواه الطبراني في معجمه الكبير عن أبى أمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : ( ما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فأكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، فإذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ، وإن استنصرني نصرته ، وأحب ما تعبدني عبدي به : لي " . والقول بغير هذا إنما هو مسخ للصورة بالمغالاة والإغراق والتنفير . وإذا كان هناك شيء من ذلك فرضاً جدلياً فهو مما يعالج بالبيان والإرشاد والقول الطيب ، ونحن أمة تحكمها الأمية ، فلا ننكر أن فيها ضلالة وجهالة ، وإنما في حاجة – أشد الحاجة – إلى النصح والتوجيه بالحكمة البالغة ، والموعظة البليغة . بقى القول بأن التصوف يدعو إلى السلبية والتواكل . التصوف الحق هو : الإسلام ، وليس في الإسلام سلبية ، ولا تواكل ، وإنما هي أمراض اجتماعية لصقت بالتصوف زوراً وبهتاناً ، وقد كان عبد الله بن المبارك ، يحج عاماً ويجاهد عاماً ، وقد كان شقيق البلخي فارساً مغوارا ، يطلب الموت حتى استشهد في سبيل الله ، وكذلك كان حاتم الأصم ، مقاتلاً بارعاً ، له في الجهاد مواقف وكرامات . وقدمت أن أبا الحسن الشاذلي كان صاحب مزارع وتجارات ، وأن شمس الدين الدمياطي بنى برج دمياط من ماله الخاص ، ومن ربحه من تجارته . وإذا تتبعت آداب المريدين بالصوفية ، لوجدتهم جميعاً يدفعون تلاميذهم إلى العمل والإنتاج ، ويعرفون تماماً كل ما ورد في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن أشياخهم في الله الذين يؤكدون لهم أنه لا يمكن تحقيق خلافة الله على الأرض بالسلبية والتواكل والاستسلام ، فإذا تغالى أو تطرف واحد ، فليس هو كل واحد . ولقد ثبت في الحديث أن بعض الصحابة تغالى بأكثر مما يفعل الرهبان ، والنبي صلى الله عليه وسلم حي ، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم " وحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل متفق عليه ، ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود عن سعد ، وأحمد الترمذي والنسائي وابن ماجه عن سمرة . وروى الدرامي عن سعد بن أبى وقاص " رضي الله عنه " أنه قال : " لما كان من أمر عثمان ابن مظعون قال : يا رسول الله : إني رجل تشق على هذه العزوبة في المغازى فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصى ؟ قال : لا ، ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفرة " . لإذا انفرد واحد بمغالاته ، فليس هذا بقانون ولا قاعدة في الجميع ، ولا بعار يؤخذ به سواه . نزل أحد المريدين على زاوية الشيخ ضيفاً ، فأقراه ثلاثة أيام . ثم قال له: يا ولدى قد انتهت مدة الضيافة. فقال المريد : إنما جئت لأتصوف . فقال الشيخ: " ليس التصوف عندنا أن تصف قدميك وغيرك يمشون لك، ولكن أبداً برغيفيك فأحرزهما، ثم تصوف، ثم اجعل منشارك مسبحتك، واذكر على دقات الفأس والمكوك ". وقد كانت الألقاب الصوفية تدل على ما يتناولونه من حرف ومهن وصناعات: فمنهم الدقاق ، والسماك ، والوراق ، والخواص ، وهكذا تعرف أنهم كانوا بحق أمثالاً للمسلم الكامل إيماناً ، وعملاً وإيجابية ، وصلة كبرى بالله . فالتواكل مرض دخيل على التصوف الصحيح، يعالجه صوفية العلماء، كل بأسلوبه.
أولياء الله ، من هم ؟ وهل يجوز تعيين ولى لله بالاسم ؟ وهل الولاية تورث بالأسرة ؟ . الجواب :
أولياء الله هم عباده الصالحون ،الذين نسلم عليهم في كل صلاة كلما قرأنا التشهد ، وعلى رأسهم الأنبياء ، عليهم صلوات الله وسلامه ، ثم يليهم في ولاية الله أتباعهم ، فأصحاب سفينة نوح ، وأصحاب ميقات موسى ، والحواريون مع عيسى والراشدون ، ومن تبعهم بإحسان ، والأئمة من أمة مولانا رسول الله y ، كل أولئك ، ومن على أقدامهم هم الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . والشرط في الولي : الإيمان ، والتقوى ، كما جاء في الآية ] الذين آمنوا وكانوا يتقون [ " سورة فصلت ، الآية : 18 " ثم ( الصلاحية للنيابة عن حضرة المصطفي y] والله يتولى الصالحين [ " لقوله تعالى ] وهو يتولى الصالحين [ من سورة الأعراف ، الآية : 196 " . فالصلاحية: بمعنى الصلاحية التي تستوجب كفاية معينة في الجوانب الثقافية والروحية، والذاتية والتعبدية ، حتى يكون العبد أهلاً للتبليغ ، ووارثة النبوة ، وسيادة البشرية ] ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [ " سورة الأنبياء ، الآية : 105 وهنا ينكشـف البون الهائل ، ما بين ( الولاية ) و( الــبلاهة ) ، وما بين ( الولايـة ) و( الاحتراف ) ، وأن الولاية كسب غال بمجهود أغلى أو هي اجتباء بحكم المشيئة الإلهية ، كما جاء بالآية ] الله يجتبى إليه من يشاء ، ويهدى إليه من ينيب [ " سورة : الشورى ، الآية : 13 ) .
وتعيين رجل توافرت فيه الشروط بوصف الولاية ، لا يتعارض مع مبادئ الإسلام – فيما أعرف – وقد وصف علماء الحديث رجالاً بأوصافهم لا حرج . أما أن الولاية ميراث حتمي : فذلك ما لا علم للتصوف به . ولابد هنـا من الإشــارة إلى أنني أتحدث عن ( التـصوف ) ، وهنــاك شيء آخر نسـميه ( المتصوف ) وهذا هو الذي أساء إلى التصوف ، ومازال ، وسوف يبقى كذلك ، ما لم يشأ الله شيئاً ، وما لم ينقذ الله التصوف من التردي الذي يعانيه . كما أنه لابد من الإشارة إلى أن للولاية معانِ شتى جاءت بها كلمات القرآن والحديث، تدور حول أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، وقد حصرنا الكلام هنا ، فيما نرجح أنه المقصود وفي الحجم المطلوب للصحيفة . ( فنحن هنا للقارئ عناوين ومؤشرات فقط وللبحوث مقام آخر ) .
لماذا يبدى الصوفية ولعاً شديداً : • بإقامة الأضرحة ؟ • وبإقامة الموالد ؟ • والتماس بركة الموتى ؟ ... وما سند ذلك من الكتاب والسنة ؟
الجواب : الصوفية لا ييأسون من الموتى (كما يئس الكفار من أصحاب القبور )" آخر سورة الممتحنة " وهم يرون أن الموت مرحلة من مراحل السفر الإنساني الكادح إلى الله ، فالميت عندهم حي حياة برزخية ، وللميت علاقة أكيدة بالحي ، بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث ، رد الميت السلام على الزائر ، ومعرفته ، وبتشريع السلام على الميت عند قبره ، ومحادثته صلى الله عليه وسلم لموتى ( القليب يوم بدر ) ، كما وردت في عدة أحاديث ثابتة . ومن القرآن حسبك قوله تعالى (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم )" سورة آل عمران ، الآية : 17 - فهناك إذن علاقة مؤصلة بين الحي والميت ، وإلا الدعاء والسلام على الميت موجهاً إلى الأحجار !! ومعنا زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع ، والسلام عليهم وتكليمهم والدعاء لهم . وللأمام ابن قيم الجوزية ( تلميذ ابن تميمة ، وحواريه ، ووارث دعوته ) له كتاب الروح وقد أثبت فيه كل مذهب الصوفية ، بما لا مزيد عليه ، في موضوع الحياة بعد الموت ، وعلاقة الأرواح بالأحياء ، ولابن أبى الدنيا في ذلك تأليف مفيد .
والصوفية يعتقدون : بحق : أن الولي في الدنيا ولى بخصائصه الروحية ، وماهية الرهبانية ، والخصائص والمواهب من متعلقات الروح ، ولا ارتباط لها بالأجسام البتة ، فالولي حين يموت ترتفع خصائصه ومواهبه مع روحه إلى برزخه ، ولروحه علاقة كاملة بقبره ؛ بدليل ما قدمنا من السلام عليه وده السلام ... الخ . ومن هنا جاء تكريم هؤلاء السادة الصالحين من أصحاب القبور . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع حجراً على قبر بعض الصحابة ، وهو عثمان بن مظعون رضي الله عنه " في أسد الغابة : أنه لما توفي سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحق بالسلف الصالح : عثمان بن مظعون " . وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم قبر عثمان بن مظعون بحجر ، وكان يزوره " ، وقال : " أتعرف به قبر أخي " وكان هذا الحديث ، بعد حديث على كرم الله وجهه بتوسيعة القبور المشرفة ، فاستدلوا به على جواز اتخاذ ما يدل على القبر ، وعلى فضل صاحب القبر بلا إغراق ولا مبالغة ، رجاء استمرار زيارته ، والدعاء له والقدوة به ، والصدقة عليه ، وحفظ أثره . ومن هنا نقل الميت من مكان إلى مكان أفضل ، كما صح في حديث جابر غيره . ثم بالغ بعض الناس في لك – بحسن نية من جانب ، وخوف اندثار القبر من جانب آخر – فاتخذ الآمر بالتطور الصورة التي تراها ، وقالوا : إن الأمر يدور مع علته ، وقد كانت علة تسوية القبور ، والمنع الأول من زياراتها ، هي مخالف الانتكاس والعودة إلى الشرك ، وقد استقر الإيمان والتوحيد في قلوب الناس ، ( وإن أخطأت أحياناً ألسنتهم ) فلا باس بعمل ما يذكر الصالحين للقدوة والاعتبار ، والقيام بحق صاحب القبر من الزيارة وغيرها ( وقد نقلنا آراء علماء المذاهب فراجعها فيما يأتي ) . هذه هي وجهة النظر عندهم بصفة عامة : وهي على علاتها – أبعد شيء عن التهويل بالشرك والوثنية ، والكفر والردة ، واستحلال ماء المسلمين ، وقد مرت السنين على هذه الأضرحة ن فما عبد منها ضريح من دون الله – ولا صلى مسلم لولى ركعة ، والمثل العملي مضروب بقبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبور كبار الأئمة .
أما ما يكون على عادة من بدع الزيارات ومناكرها ، فأمور يمكن تقويمها بالتعاون على علاجها بالتي هي أقوم . وإنني مستيقن – سلفاً بأن هذه الكلمات بالذات ، ستنبري لها ألسن وأقلام احترفت خصومة هذا الرأي ، واتخذته أساس مذهبها ، وهو كل دعوتها وبضاعتها ، ولكنى أعرض الرأي ، ولا أدعى العصمة ، ولا أحتكر الصواب ، وأرى أن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه ، إلا ما جاء عن الله ورسوله . بقدر ما أعرف سلفاً ، كافة النصوص المقابلة ، ووجهات النظر الأخرى ، فالحديث هنا قديم ومكرر ، لا جديد فيه على الإطلاق ، والتقريب بين وجهات النظر ممكن . ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله ، وارجع إن شئت إلى ما كتبناه بتفصيل عن التوسل والقبر في رسالة ( قضايا الوسيلة والقبور ) .
• أما الاحتفال بالمولد : فهو ما لم يكن بصورته هذه في الصدر الأول ، وهو – على وضعه الحالي – فيه المقبول والمرفوض ، وإن كان المرفوض قد غلب فعلاً على المقبول ، ولابد من وقفة إصلاح ؛ فإن القائلين بالإلغاء يطالبون بغير الممكن أصلاً ، ولا ينظرون إلا إلى الجانب المرفوض وحده .
أن أول من احتفل بذكرى المولد النبوي ، هو الملك المظفر ( طغرل ) ملك ( إربل ) العراق ، بموافقة الإمام أبى شامة ، والعلماء .
ثم التقط الفاطميون الحبل ، فزودا وتوسعوا . وقد التمس علماؤنا الدليل ، فوجدوا أن الله كرم يوم الولادة ، ويوم الموت ، والبعث مرتين ، مرة بلسان القرآن ، وأخرى حكاية عن لسان عيسى عليه السلام " (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت يبعث حياً )- ( والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً )" سورة مريم . إذن ، فليوم الولادة منزلة عند الله ، ثم نظروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلازم يوم الاثنين من كل أسبوع ! فسئل في ذلك ، فقال : " هو يوم ولدت فيه ، وأنزل على فيه " كما ثبت في الحديث الشريف . ومعنى هذا : أنه صلى الله عليه وسلم كان يحي ذكرى مولده الشريف ، شكراً لله تعالى في كل أسبوع مرة بالصيام ، وربما بما تيسر له من خير ، فهو يوم من أيام الله ، وقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيام الله ، كما فعل في يوم عاشوراء ، وكما فعل في ( سبوع ) الحسن والحسين ، بالإضافة إلى ما ورد من أنه ذبح (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة ، بعدد سني عمره الشريف . ومن مجموع هذا ، وما هو منه ، يمكن استنباط مشروعية إحياء الموالد ، لما فيها من الذكريات النافعة ، والعبر الموجهة ، وبما فيها من تلاوة القرآن ، والوعظ والإرشاد ، والذكر الصحيح ، والثقافة ، ثم بما فيها من التعرف على البر والتقوى ، والرواج الاقتصادي والصدقات ، والحركة الاجتماعية ؛ فهي بهذا الوصف أسواق خير ونفع عام لا تضيق به أصول الأحكام الشرعية .