احمد جمال المدير العام للمنتدي خادم الاعتاب المحمدية
احترام قوانين المنتدى : الابراج : عدد المساهمات : 220 نقاط : 448539 السٌّمعَة : 2 تاريخ الميلاد : 01/08/1981 تاريخ التسجيل : 10/04/2011 العمر : 43 العمل/الترفيه : النت
| موضوع: التصوف أخلاق وسلوك: الجمعة سبتمبر 30, 2011 10:44 am | |
| التصوف أخلاق وسلوك:
الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه ، وبعد يعد التصوف في جانبه الباطني معرفة خاصة لمقامات معلومة تقلب فيها الحبيب و تحقق بها ، لقوله تعالى : " وإنك لعلى خلق عظيم". وهي منازل ومدارج ومراتب و مقاعد دونها أولياء الله تعالى في مذكراتهم ،أو اشاروا الى آدابها رحمة بنا و تنويرا للعقول قبل القلوب ، حتى تظل الأخلاق النبوية و أمداداتها الفائضة على الخلق محفوظة في سلوك المشايخ الكمل ، قبل العقول مسطورة في الكتب تنتظر من له مفتاحي العقل و القلب ، و آداة الرحمة و الحكمة في استنباطها و تأصيلها و تجديدها في خطوات متئدة رزينة. نسال الله ان يرحمنا آمين رحماء بينهم قال الله تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [1]. الموقف الكلي للعبد المحسن أمام مولاه عابدا ضارعا سامعا مطيعا لا يُوَلِّدُ أنانيةَ راهب الكنيسة الذي يحتكر الفهم وينتصب ليُعْبَدَ من دون الله، ولا أنانيةَ الزعيم الذي يُفيض من عليائه الشرعية على سياسة الوقت. رحماء بينهم، وأشداء على الكفار. هذه السنة، وهذا هو المنهاج النبوي في علاقة العباد بربهم، علاقة تنظم الجماعة في سلك الرحمة الإلهية الممتدة بركة من السماء وشَجَنَةً بين المومنين على الأرض. القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وحول محمد صحابة رحماء بنفس الرحمة، مهديون بنفس الهدى. قرآن يتلى فيتجسد حقائق تسعى بين الناس. وحي يأتي به جبريل عليه السلام فلا يلبث أن يتحول التعليم القرآني حياة نابضة بالأخوة والقوة. الركع السجد لا يبتغون سوى فضل الله ورضوانه. هنالك سلسلة من المعاني القرآنية النبوية لا تزال تتلى ألفاظها بينما حقائقها غابت عن الأذهان وغابت من أنفس المسلمين وواقعهم وتقلص أثرها في الأمة. إنها معانٍ كالنور، والبركة، والرحمة، والسكينة التي تنزل على المومنين في ساحة القتال، ومجالس القرآن، وحلق الذكر. وكأن عدوى الفكر الجاهلي والإرهاب الفكري الذي يطارد الغيبيات جعل بعض المسلمين، غفر الله لنا ولهم، يتنازلون عن إيمانهم، حتى إن بعضهم فسر الجن بأنه يشبه أن يكون نوعا من المكروب، وبعضهم أحال القرآن نوعا من دائرة معارف كونية. إن لغة الجاهلية التي سرت عدواها في لغتنا كما سرت عدوى التشبه بهم في سائر أوجه حياتنا لا تتسع لتعبر عن معاني القلب. فتجد منا من لا يتجاوز في تصوره درجة التسليم لنور القرآن، وسكينة القلوب، وطمأنينتها، وسيما الوجوه الساجدة، وبركة السماء، وما إلى هذا من معجزات الأنبياء، وكرامة الأولياء، وعالم الجن والملائكة، وحقائق الجنة والنار، وأسرار القدر، والإلهام، والتحديث. كل هذا واجب الإيمان به. لكن أن يصبح كل هذا لب حياة الأمة دون أن يتسطح في خرافية شعبية، ودون أن تدخله شعوذة، ودون أن يحمل على مغالاة وانحراف، هو المطلب التربوي الأول. وما من معنى قرآني إلا وهو شعبة من شعب الإيمان، فإن نضبت شعب الرحمة وأخواتها فلا يبقى في يدنا إلا شكل القرآن وشكل الإيمان والصورة الظاهرة الحرفية للدين. قال الله تعالى لنبيه الكريم: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ [2]. هذا معنى رحماء بينهم. رحماء بتأليف إلهي بين القلوب. فإن غاب هذا التأليف القلبي، ولا تعوضه الألفة الطبيعية بين الناس، فما يجدي توحيد الخط الفكري. في الديمقراطية التعددية يحدث الخلاف فلا حرج في الانفصال عن الحزب، فهي أساسا تعددية. وفي الديمقراطية المركزية يفرض تماسك الجسم الحزبي بالقهر والإرهاب و"الانضباط الثوري". لا مكان للرحمة هنا ولا هناك. وقال عز من قائل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [3]. شورى على رحمة، ورحمة تلين القلب، مظهرها العفو وحب الخير عند الله لإخوانك. ليست نقاشا على جفاف الفكر وتناطح المصالح والأنانيات. ثم توكل، والله يحب المتوكلين. وما التوكل في قاموس المذاهب الفكرية، وما حب الله عباده حتى عند من يومن بالله؟ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [4]. وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [5]. فإذن منة الله على أمة الإسلام أن بعث فيها رسولا يزكي -أي يربي ويطهر- ويعلم الكتاب ومعه الحكمة. نبي أمي لكيلا تحسب أنها فلسفة وبراعة وعبقرية. نبي أمي اسمه في التوراة والإنجيل، وظيفته وظيفة الأنبياء، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويحرر الناس من الإصر والأغلال، كناية عن أنواع العبودية لغير الله. ومع النبي الأمي نور ورحمة وسكينة وتأييد ونصر. كل هذه معان غيبية تجسدت في المجتمع القرآني فكان ظهور الإسلام معجزة تاريخية. معجزة في تأليف أمة موحدة بين أعرق البشر في العصبية الجاهلية. معجزة عسكرية. معجزة أخلاقية. معجزة إيمانية. معجزة كلية جعلت من عرب أميين قادة النصر، وأئمة العلم، وهداة البشرية، ومحرري الشعوب. حكمة عالمنا المعاصر يَلفه ظلام الجاهلية وتعتصره يدها الأثيمة. شجرة البِرِّ ذبلت من وَهَج الكفر، فـ"الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور. على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها. قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى(...) شعارها الخوف ودِثارها السيف"[1]. هكذا يصف الإمام علي كرم الله وجهه جفاف الجاهلية الأولى. يقول رضي الله عنه: "بعثه والناس ضُلاَّلٌ في حيرة، وخابطون في فتنة. قد استهوتهم الأهواء، واستذلتهم الكبرياء، واستزلتهم الجاهلية الجهلاء. حُيارَى في زَلْزَلٍ مِن الأمر، وبلاء من الجهل"[2]. ويقول: "فإن الله سبحانه بعث محمداً وآله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا(...) فقاتل بمن أطاعه من عصاه. يقودهم إلى منجاتهم". كانت العرب قبائل أمية. وهذا يميزها عن الوسط الاجتماعي الموجهة إليه الدعوة في عصرنا. مجتمعاتنا موبوءة بالثقافة المغربة في طائفة المثقفين، موبوءة بالخرافية والشرك والبدع على المستوى الشعبي. وعند حكامنا تمتزج ردة المغربين بشعوذة الحثالة. واسأل عرافي باريس ولندن وساحرات الأكواخ الشعبية عن زبنائهم من الحكام على رقاب المسلمين. كانت القبائل دويلات متناحرة، لُحمتها العصبية العشائرية. فكانت معالجة هذه العصبية لفتح ذريعة فيها تتسرب منها الدعوة قضية فهم للواقع الاجتماعي إذ ذاك. لذلك كان رسول الله يعمد إلى وجهاء كل قوم ورؤسائهم آملا أن يكون إسلامهم مفتاحا لإسلام القبيلة. كان يحدث ذلك أحيانا قليلة في الفترة الأولى، ولم تبدأ وفود العرب تجيء خاضعة لله ورسوله إلا بعد الانتصارات الحاسمة لجند الله بحد السلاح. كان المستضعفون هم أنصار الدعوة وعمادها الذي لا يكذب من أول يوم. واقرأ التعليم القرآني في قوله تعالى عن رسوله الحريص على إسلام الناس: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [3]. كان قانونُ الصحراء يقضي أن الغَلَبَ للأقوى. فكان هناك سُلَّمٌ سلطوي بمقتضاه تنضوي قبيلة تحت جناح أخرى، ويحتمي شخص بشخص، على أن تصل السلطة العربية قمتها في محميتي الفرس والروم، محمية المناذرة وسلطنة آل غسان. ومن خلال شبكة القوة والأحلاف هذه نهج رسول الله مستعملا في مراحل جهاده عُرف الجاهلية بما لا يشكل تنازلا عن أهدافه. واعتمد على ما في العرب من مروآت، فصادَقَ، وحالَفَ، واستعار السلاح من المشركين، وبعث أصحابه يتعلمون "التكنولوجيا" في الشام حتى صنعوا له المنجنيق في حصار الطائف. لم تلوثه الجاهلية ولا لوثت حزب الله تحت قيادته لما كانت القلوب طاهرة بلا إله إلا الله من كل شرك.
| |
|